The Political Dimension of Dreams in Byzantium and the Islamic World البعد السياسي للأحلام في بيزنطة والعالم الإسلامي

Document Type : Original Article

Author

History Dept., Faculty of Arts, Tanta University, Egypt

Abstract

منذ أن خطا البشر خطواتهم الأولى على هذا الکوکب، کانت الأحلام والرؤى والکوابيس أيضا جزءاً مهماً لا يتجزأ من حياتهم اليومية. ورغم أن الأحلام والرؤى بطبيعتها مجرد تجربة شخصية معقدة، ترتبط بصاحبها بالدرجة الأولى، وبخلفيته الشخصية والحضارية، إلا أنه رغم ذلک کانت المجتمعات الأولى، والحالية أيضا، وکذلک الأديان والثقافات المختلفة حريصة أشد الحرص على الوصول إلى تفسير مُقنع لمثل هذه الأحلام. وکان الانطباع الغالب عادة، منذ فجر الإنسانية حتى الآن، أن الأحلام ليست فقط تلک التجربة الشخصية التي تعکس اللاوعي لشخص معين، وترتبط بتجاربه وخبراته الشخصية، بل هي نوع من التدخل الإلهي في حياة البشر، أو بلغة أخرى هي رسالة من العالم الآخر إلى عالم البشر عبر وسيلة کانت تقريبا الوحيدة في التواصل بين العالمين، أو نافذة قد يستشرف البعض منها المستقبل، الأمر الذي يعتقده الکثيرون اعتقاداً جازماً حتى في عصرنا الحالي. وفي الغالبية العظمى من مجتمعات العالم القديم کان الکهنة ورجال الدين وکبار السن من الرجال والنساء هم عادة المفسرون موضع الثقة لمثل هذه الرؤى والأحلام. وربما تخصص البعض في تفسيرها، وترک مؤلفات خاصة بها شکلت نوعا من العلم الجديد، يأخذ مسحة دينية، ويعتمد عادة على بعض السمات الدينية، والبيئية وکذلک التأويلات اللغوية في تفسير تلک الأحلام. أما في التراث الشعبي فالحلم يظهر ليتيح الفرصة للتفسير والتعليل للکثير من السلوکيات الغير منطقية، والنقلات والأحداث التي يطفو بها القاص الشعبي بعيدا عن عالم الواقع والمنطق.
وعود على بدء، فقد أولت الديانات السماوية الثلاث بکتبها المقدسة اهتماماً خاصاً بالرؤى والأحلام، وميزت ما بين الرؤى الطيبة والبشارة وما يمکن أن يندرج تحت الوحي السماوي للأنبياء والقديسين وغيرهم، وما بين أضغاث الأحلام التي تراود البشر وتکون ذات طابع دينوي شخصي. وقد وردت کلمة الأحلام والوحي مرات عديدة نصاً في القرآن الکريم، وکذلک ورد لفظ تأويل الرؤيا. وفي الإسلام تمثل الرؤى و الأحلام أهمية خاصة، فقد ارتبطت الرؤى بالعديد من الأنبياء مثل إبراهيم ويوسف عليهما السلام، کما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال " تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَکْتَنُوا بِکُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَمَنْ کَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"، فأصبح الأمر قاطعاً فيما يتعلق برؤى النبي وما قد تحمله من معاني ورسائل للحکام والفقهاء والأشخاص العاديين،  لدرجة أن البعض قال بأنه "جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". 
ومن ناحية أخرى أصبحت الأحلام فرعاً من فروع علم النفس الحديث، الذي يتعرض للحلم باعتبارهِ تجربة شخصية فردية، تعکس اللاوعي الخاص بشخص محدد مرتبطة بتجربته هو الشخصية. غير أن علم النفس يظل في نهاية المطاف علماً محدداً يطبق نظريات علمية قاطعة، فلا يقبل بالرمزية الدينية، ولا البيئية، ولا ما قد يحمله الحلم من استشراف للمستقبل، وإن کان يتعرض للماضي باعتباره رصيداً للتجارب البشرية بحلوها ومرها، وانعکاساتها على الوعي واللاوعي معاً. ويأتي على رأس علماء هذا الفرع الطبيب النمساوي المعروف سيجموند فرويد Sigmund Freud (ت 1939م) الذي کرس کل أبحاثه لعالم اللاوعي البشري، بعيداً عن التأثيرات الدينية والشعبية التي ارتبطت سابقا بالأحلام والرؤى في العالمين القديم والوسيط، بل والحديث أيضا.
وهکذا فإن لدينا ثلاثة اتجاهات لتفسير الأحلام کما تصنفهم الباحثة الجزائرية مولکي جميلة، هي البعد الديني، والشعبي، ثم النفسي في تفسير الحلم. إلا أن هذا البحث يتناول الأحلام في الفضاء السياسي، أي فيما يتعلق بتوظيف الحلم سياسياً کدعاية أو تحذير أو دعاية مضادة أو تنبؤ بالمستقبل، أو رسائل من الغيب تظهر للحکام وعن الحکام والشخصيات المؤثرة، وذلک مقارنة ما بين بيزنطة والعالم الإسلامي في القرون الأولى من الصدام الحضاري بين العالمين، في محاولة للبحث عن أرضية مشترکة بين العالمين في مجال کان يحظى بأهمية خاصة وکبيرة رغم اختلاف الخلفية الثقافية والدينية في التعامل مع الأحلام والرؤى بين الجانبين. 

Keywords