The Phenomenon of Violence in the Fatimid Policy Towards their Subjects during the Moroccan Period (296-362 AH / 909-973AD) ظاهرة العنف في سياسة الفاطميين تجاه رعاياهم خلال المرحلة المغربية 296-362هـ/909-973م

Document Type : Original Article

Author

History Dept., Faculty of Arts, Ain Shams University, Egypt.

Abstract

من المتعارف عليه عند أهل الفکر السياسي من القدامىوالمحدثينوجوب السلطة وضرورتها، واستحالة الاستغناء عنها.ومع تداخل المجالين الديني والسياسي بشکل کبير في العصر الوسيط، وفي ظل تشکل الدولة السلطانية الفردية المرتبطة في مخيلة العصر بمفهوم الغلبة والقهر والاستطالة، ونتيجة غياب مرجعية قانونية للمعاقبة، ومؤسسات منظمة للعلاقات بين الحاکم والمحکوم، اعتمد حکام العصر ذوو النزوع الاستبدادي على القوة والتسلط والعنف والصرامة کمقومات للحکم، فتجاوزا العقوبات الشرعية، وجنحوا إلى امتلاک وسائل الإخضاع والاستتباع، لفرض القوة والسطوة، وکبت الحريات، وانتهاک الکرامة، وزرع الخوف في المجتمع، کضامن أساس لاستمرار الحکم، وضمان صلابته، وتحقيق مصالح ذاتية.ولعل مطالعة نصوص التراث تکشف عن ذلک بجلاء، وتفصح عن تفاقم ظاهرة العنف کمعلمٍ بارزٍ في تاريخ السلطات الحاکمة، وبشکل اعتيادي وراسخ في ذهنية الفرد والمجتمع، وبتسويغٍ ومبارکةٍ من فقهاء السلطة وکتابها وشعرائها الرسميين، إلى حد الإطناب والإشادة بهذا العنف کمظهر من مظاهر تمجيد السلطة، ونجاحها في دحر خصومها، وقهر مناوئيها، وتقليم أظافر غير المنسجمين مع توجهاتها.
         من الصعوبة بمکان وضع تصور منهجي يضمن عرضاً موضوعياً -دونما احتواء أيدلوجي-في موضوع ملتهب کظاهرة العنف في سياسة الفاطميين، في ظل غياب مصدر محايد تماماً يتناول الأحداث بمنطقية الباحث وبعقلانية المؤرخ، فضلاً عن الاعتماد شبه التام في استقاء المادة العلمية على مصادر مالکية أوغلت في سنيتها، وخلطت تعظيم البطولة بالدعاية المعادية للفاطميين، وغصت بالآراء المفعمة بالعداء المستأصل، فأمعنت في ثلبهم، وهولت من سياستهم في القمع والاضطهاد والتعذيب والتصفية الجسدية، وأخرى رسمية إسماعيليةمفرطة في شيعيتها قد أطنبت في الترويج  للحرص الدءوب للحکم المرکزي على التمسک بناموس العدل، والسير على مبدأ الإحسان إلى الرعية والرفق بها، وقبض يد الجور عنها، وإزالة الغشم منها، والتعامل معها بالصفح والعفو والرحمة والشفقة واللطف.ومهما تم الادعاء بتوخي الحذر تجاه النصوص المعتمدة والتي تبنت لغة الأرقام، أو تلک التي غلفتها المبالغة والتهويل في تقدير حجم الخسائر البشرية، إلا أن ذلک لا يحجب حقيقة العنف کظاهرة غلبت على سياسة الفاطميين، والذي بلغ حداً من الشمولية عمت مناحي الحياة السياسية والاجتماعية، وصبغت المجتمع بطابعها المأساوي، وخلفت نتائج ديموغرافية کارثية في بعض المناطق، وهي حقيقة تردد صداها حتى على ألسنة الفاطميين أنفسهم، فها هو المهدي لا يخفي تلذذه بتصفية مخالفيه بشتى أصناف التعذيب واستعذابه أن يرى وفودهم يتضرعون بين يديه"واستغاثتهم وسؤالهم ورغبتهم واسترحامهم"، وفي آخر خطبة له قبيل رحيله للمشرق عدد المعز الفاطمي مظاهر العنف والتصفية الجسدية التي مارسها أسلافه ضد "أهل العناد منهم من أغرقنا ومنهم من دمرنا ومنهم من أهلکنا..فلما أسرفوا انتقمنا منهم بعباد لنا أولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وکان وعداً مفعولا"، کما لم تخل خطب الخلفاء  من لغة التهديد والوعيد، والتلويح باستخدام العنف لمواجهة التمرد والعصيان؛کوسيلة لبث الخوف والرعب وترسيخ الهلع في قلوب الرعية، فما أن استقر المهدي بالقيروان حتى أرسل بکتاب يُقرأ على منابر افريقية توعد فيه "کل من نکث عليه وخان أمانته ونقض عهده وخفر ذمته..في الخلاف عليه وإطلاق الفتنة من عقالها، وکل من أوقد عليه نار الحرب، أحرقته بنارها وکلمته بأظفارها...حتى يقمع الکفر والإلحاد ويدوخ أطراف البلاد"، وهدد مخالفيه بأشد ألوان "البأس والنقمة والدمار والهلکة"، وجاء على لسان المعز في إحدى خطبه:"أنا الحبل من تمسک بي نجى، ومن تخلف عني هلک وهوى ...من عصى أمري واتبع هوى نفسه ضل وغوى، ونزل به سخطي، وحل ساحته نقمتي، وأخذه العذاب من کل مکان وباب...ونزعت عنه النعمة..وأهرقت دماءکم واستحلت وعظم الفساد فيکم وهتکتم حريمکم، وسعيتم في خراب ديارکم بخلافکم لنا وانحرافکم عنا"، کما جرت عادة الفاطميين باتخاذ منابر افريقية وسائل إعلام تتلى من خلالها مناشير السلطة المتضمنة مظاهر تسلطها على مخالفيها بقتل الأنفس، وغنيمة الأموال، وسبي الذراري، والتباهي بأنه قد "ذلت الرقاب وأطاعت".

Keywords