The Syrians and the Franks: Perception of the Other in the Era of the Crusades الشاميون والفرنج: تصور الآخر فـي عصر الحروب الصليبـية

Document Type : Original Article

Author

History Dept., Faculty of Arts, Damascus University, Syria.

Abstract

کانت تعيش في بلاد الشام الداخلية ترکيبة عجيبة من السکان، من حيث الانتماء العرقي والديني على السواء، فقد کان فيها العرب والأتراک والأکراد والأرمن والزنوج، ومماليک من کل أصقاع الدنيا، ومهاجرين من المغرب العربي أو من بلاد فارس أو من القفقاس. وصحيح أن معظم السکان کانوا من المسلمين، لکن کانت هناک طائفة مسيحية لها وجود معترف به، وظهرت لها زعامات محلية. ومع ذلک فإن تأثير هذه الطائفة وزعاماتها في العلاقات مع القوى الفرنجية الغازية کان ضعيفاً جداً وذلک لسوء تصور کل منهما للآخر.
لقد عاش المسلمون والمسيحيون في الشرق العربي قبل الغزو الفرنجي بحالة فريدة من الانسجام، لا تعکرها إلا بعض المواقف الشاذة هنا أو هناک، فطالما اعتبروا أنفسهم فرعين لحضارة شرقية واحدة، وکان لديهم إحساس واضح بالانتماء إليها. وکان المسيحيون يتوزعون على عدة طوائف أبرزها: الروم الأرثوذکس أو الملکانيين، والسريان الأرثوذکس، والأرمن الأرثوذکس. وتجدر الإشارة إلى وجود بعض الفرنجة المستأمنين وهم غالباً من الکاثوليک، وکانوا يقيمون بشکل شبه دائم في المدن الساحلية خاصة لمزاولة الأعمال التجارية، ومنهم من کان مستوطناً ممن قدم مع الحملات أو ولد في الشرق، وقد فضل بعضهم الاستمرار في العيش في المدن المحررة فدخل في عقد الذمة، علماً أن الإقامة بين المسلمين والخضوع لهم کان أمراً محرماً من قبل البابا، مع أقسى العقوبات کالحرمان الکنسي واللعن والطرد کلياً من الکنيسة.
لقد سعى الفرنجة بعد تأسيس إماراتهم في سورية إلى استمالة المسيحيين الأرثوذکس واليعاقبة، فلما استولوا على القدس وأبادوا سکانها، حاول "بلدوين الأول" سد الفراغ السکاني باستقدام أعداد من المسيحيين السوريين من شرقي الأردن، ولکن على ما يبدو لم تثمر عملية استمالة الفرنج لمسيحيي سورية، إذ أن هناک الکثير من الدلائل على تنامي الکراهية المتبادلة بين الجانبين، فالتسامح الذي کان يعاملهم به المسلمون کان دافعاً قوياً لمسيحيي الشرق کي يبعدهم عن الفرنجة الذين يتبعون کنيسة غريبة لها طقوس مختلفة. ويُذکر أنه عندما حرر السلطان صلاح الدين القدس عرض المسيحيون الأرثوذکس المساعدة من الداخل، کذلک أشاع الفرنج أن السلطان صلاح الدين تلقى تهاني حامي الکنيسة الأرثوذکسية الإمبراطور البيزنطي "إسحاق أنجيلوس" على استرداده للمدينة المقدسة، وأنه کان صديقاً له، بل وحتى أنه تآخى معه. وإذا کان ذلک في مجال الشک فإنه من المؤکد أن الإمبراطور البيزنطي "آندرونيکوس کومنين" سعى جاداً وراء تحالف يربطه بالمسلمين ضد الفرنجة.
وبالتعميم نستطيع القول إن المسيحيين في بلاد الشام لم يتعرضوا لأي اضطهاد أو خطر حقيقي على وجودهم، أو أنهم منعوا من ممارسة طقوس عباداتهم، طوال حقبة العصور الوسطى من قبل إخوانهم وجيرانهم المسلمين، ولذلک نجد أن الکنيسة الأرثوذکسية اليونانية، وسائر المذاهب المسيحية الشرقية، قد هللت لتحرير المسلمين لمناطق الاحتلال الفرنجي، وخاصة بيت المقدس. ولقد کانت لهم دوافعهم القوية في ذلک، فقد جربوا التسامح الديني للمسلمين، کما لمسوا بشکل مباشر، بواسطة الوجود الفرنجي في الشرق، ما يعنيه العداء بين کنسية روما وکنيسة القسطنطينية. ومما يذکر هنا ما قام به عماد الدين زنکي عندما حرر الرها من الفرنج عام 539هـ 1144م، فمع أنه لم يرحم الفرنجة فيها فقد عامل المسيحيين المحليين بمنتهى الرأفة، وزار کنائسهم، وکانت له علاقة حميمة مع المطران اليعقوبي للرها "متى الرهاوي".
وبالنتيجة نرى أنه على الرغم من رابط العقيدة الواحدة بين المسيحيين السوريين والفرنجة إلا أن روابط التاريخ واللغة والعيش المشترک مع المسلمين کانت أقوى، فمع أن المسيحيين السوريين لم يقاتلوا الفرنجة عنوة، ولم يکونوا مصدر إزعاج حقيقي لهم، إلا أنهم أيضاً لم يستغلوا الظروف الصعبة التي مر بها المسلمون، فلم يقاتلوهم ولم يثيروا القلاقل أو يشکلوا عقبات أمامهم. ومع أنه تم طرح کثير من النظريات حول تعاون وثيق بين مسيحيي سورية والفرنجة، لکنها بمعظمها تعتمد على أحداث محددة وتخمينات وتعميمات، فالنصوص التاريخية تذکر أن قوات المشاة في الإمارات الفرنجية کانت تشکل من السکان المحليين غالباً، وهذا صحيح ولکن ليس بالضرورة أن تکون من المسيحيين، فقد کانت تضم أتراکاً وأکراداً وعرباً، وإذا کان جلها من المسيحيين فهم من الأرمن.

Keywords